............أما القصة القصيرة فتضم صورا سريعة لهذه النماذج البشرية ، ومن أطرف هذه النماذج : نموذج ( العازف الكفيف) في أقصوصة قصيرة اسمها
( العازف) للكاتب محمد عبد الحليم عبد الله ، فها نحن مع ثلاثة أمام مقهى من المقاهي ، كل يبحث عن رزقه، بائع سجائر، وبائع سوداني، و عازف مكفوف البصر، يعزف موسيقاه الشجية ، لكنه يرفض عطية من رجل قيمتها عشرة قروش تعففا، ثم لما واتته منيته، احتلت مكانه في التكسب بالعزف زوجته من أجل أطفالها.
وهاهو الكسيح في أقصوصة ( جاء الربيع) للكاتب نفسه يتنقل بكرسي ذي عجلات ، وينصحه طبيبه بضرورةالإعتماد على النفس فيذهب للريف ، ويستمتع بجماله، ويشعر بحيوية تدب في جسمه، ثم تتكسر إحدى عجلات الكرسي ، وتتراءى أمامه أشياء تدعوه للتفكير وتحليل موقفه ، هاهي شجرة اللبخ التي أثمرت، والطفل الذي ولد حديثا، وإذا به يفاجأ بعودة ابنه الملاح بعد انقطاع طويل فتجعله المفاجأة يقطع الحجرة مشيا مودعا حياة الشلل و تعود له حياة جديدة بفعل فرحة المفاجأة.
لعل في مقدمة من يتعاطف مع هؤلاء ، أولئك الذين حرموا نعمة حاسة من الحواس فعوضهم الله عنها خيرا منها ، ويفيض كتاب ( في عالم المكفوفين) للمغفور له(الدكتور أحمد الشرباصي) بكثير منهم ، ونذكر منهم على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ بعض من حرموا إحدى هذه النعم ، وملأوا علم الأدب و الثقافة في عالمنا العربي، أمثال (طه حسين) الذي فقد بصره بعد إصابته بمرض الجدري ولم يعالج معالجة طبية، ولقد سخت عليه الحياة فمنحته مجدا أدبيا كبيرا.
ومثله في الكويت الشاعر فهد العسكري الذي احتل منزلة في حركة الشعر المعاصر في الكويت.
و الشاعر والكاتب الكويتي عبد الرزاق البصير .
والباحث الدكتور محمد بن سعد بن حسين في السعودية.
وهناك من حرموا نعمة السمع فأصيبوا بالصمم مثل مصطفى صادق الرافعي،
أو أصيبوا بالعرج أو قصر ساق عن الأخرى مثل ابراهيم عبد القادر المازني، بل إننا نجد منهم من يصاب في أخريات أيامه، مثل الشاعر علي محمود طه الذي أصيب بالشلل في صيف1949، ثم فارق الحياة بعدها.
.......و غيرهم كثير..
هكذا يمكننا القول في الأخير أن مناهج البحث الأدبي الحديثةجدا تحاول أن تستخدم علم النفس، وعلم الأعصاب لدراسة عملية الإبداع الفني على أقلام هؤلاء وصلتها بنفسيتهم وتكوينهم، وهو مجال تتسع الدراسة فيه للوقوف على أسباب الإنتاج الأدبي ودوافعه.